ليس في الهزيمة أي شيء مفرح أو مضحك، لكن عامة ما تتبع أي هزيمة للأهلي مجموعة تخاريف كروية تخفف من وطأ الخسارة و تدخل البهجة على القلب من فرط تعصب و سذاجة مبدع التخاريف.
نبدأ بمقال في أحدى الجرائد القومية يحتوي على هذه الجملة
"عقدت جلسة سرية برئاسة محمود الخطيب نائب رئيس النادي في حضور عدد من اعضاء مجلس الادارة وطارق سليم عضو لجنة الكرة لبحث عوامل الخسارة أمام الهلال والتي حضرها ايضا خالد الدرندلي رئيس البعثة للاستماع الي تقريره وتابعها حسن حمدي رئيس النادي الذي كان موجودا خارج القاهرة."
و يكمل الخبر أن الخطيب سيتولى الإشراف على جوزيه و القيعي.
لا أعلم لماذا تذكرت الممثل رياض القصبجي في فيلم إسماعيل يس في البحرية و هو ينظر إلى إسماعيل ياسين و يقول "هو بغباوته و شكله العكر...". فلقد وصف الناقد أن الجلسة كانت على مستوى عالي من السرية و رغم هذا إستطاع الحصول على المعلومات و بدقة، و هذا إما عبر أن يكون مشارك في الجلسة و مرتدي طاقية الإخفاء، أم أن أحد أعضاء لجنة الكرة قد سرب له الخبر كطارق سليم أو الخطيب مثلآ. و الإثنان يدخلان ضمن نطاق التخاريف الكروية!
و من ضمن التخاريف الكروية الجديدة أن النجاح في صفقة و عقد لاعب بجعلك أفضل فريق و يضعك على قمة أي بطولة. و لو كان هذا بصحيح لكان الزمالك "دريم تيم" في التسعينات فاز بكل شيء، و لكان ريال مدريد زيدان و رونالدو و فيجو هو سيد أندية أسبانيا، و لكان برشلونة العام الماضي هو بطل الليجا. لكن هذه التخاريف تأتي ضمن حاجة مؤلفها لأي نجاح بعيدآ عن حقل الرياضة الذي يفشل فيه بتفوق، و لا أستبعد أن أقرأ في أي جريدة أو مقال أبيض أن حفيد أو نجل أحد أبناء مجلس إدارة الزمالك قد حصل على درجات في الثانوية العامة أعلى من نجل عضو إدارة النادي الأهلي. و تبدأ الأفراح و الليالي الملاح و "طلقتين رجولة في الهوا". و هي توازي التخاريف التي يؤكد أصحابها أن لا فريق قرن غير ميت عقبة و نحن الأصل و الباقي تقليد، و هي أشبه بعبد المنعم مدبولي في فيلم "مطار الحب" عندما وضع ساعة في يد شخص قصير و قال له "بص للساعة و قول ،أنا مش قصير قزعة...أنا طويل و أهبل و خليك بتقولها لحد ما تطول" فيبدو أن هذه هي الطريقة الأمثل لغسل أدمغة جماهير المنافسين عن الواقع أن الأهلي هو أفضل فريق أفريقي في القرن الماضي و إن شاء الله سيكون هو الأفضل أيضآ في هذا القرن.
التخاريف الأخرى، أنه لا توجد حملة منظمة هدفها تحطيم الأهلي، و لو كان هذا صحيحآ، فلماذا لا نقرأ أي نقد بنّاء بعد خسارة الأهلي؟ و يجتمع الجميع على محاولة تحطيم أسطورة الأهلي و تسيده للكرة المحلية و الأفريقية، و لو الهدف هو النقد، فلم نجد أي من النقاد يأتي بحل أو بأسلوب منظم لتحسين الواقع، بل نرى فاصل من السخرية لا يمت للنقد بصلة ، علمآ أننا لا نرى الشيء ذاته مع أي منافس "فضايحه" كثيرة و مشاكله قد تشكل مادة دسمة للنقاد، لكن واضح أن التعليمات هي "بوقف قطار الأهلي بأي شكل"، فهو أقوى منظومة إدارية محلية، و نجاحه يظهر عيوب الآخرين و "بدل أن نلعن الظلام لنوقد شمعة، بلاش شمعة عود كبريت يا أخي"
و التخاريف الأجمل هي عند الهجوم على كلمة "مباديء النادي"، و محاولة خلق تخاريف كروية و أكاذيب عن صحة هذه العبارة. و يبدو أن أي شخص أو إدارة فاسدة تتمنى أن يكون الجميع مثلها عملآ بالمثل "اللي بيته من إزاز ما يحدفش الناس بالطوب". فمباديء النادي موجودة و يعمل بها يوميآ و تخرج إداريين و مدربين يعملون بها كهادي خشبة و سيد عبد الحفيظ و الخطيب و غيرهم. و إذا أخطأ أحد الإداريين بقصد أو بدون، فهذا لا يخالف المباديء إلا في حالة التغاضي عن معاقبة المخطيء و التشويش على الموضوع، و الأهلي فعل ما يمليه عليه مبادئه و هو طلب تحويل القضية إلى النيابة العامة و محاسبة المخطيء مهما تكن وظيفته، و هذا ما يجعل الأهلي يسير في طريق النجاح، فالأخطاء واردة و البشر ليسوا بملائكة، و لكن محاسبة و تصويب المقصر هو ما تمليه مباديء الأهلي.
و يبدو أن كلمة "جمهور الزمالك بيشجع الأهلي أكثر من الإهتمام بفريقه" هي بعيدة عن التخاريف الكروية، فهي حقيقة، و تؤكدها محاولتهم لوضع أكبر زخم إعلامي على قضية شريف أشرف، و نسيانهم للآتي:
هنري ميشيل "يضحك" على إدارة الزمالك و ينال أجازة مدفوعة في فرنسا تحت شماعة الإعداد، و يترك الفريق "قفاه يقمر عيش"، ثم تتضح الأخطاء الإدارية بعدم وجود أي بند جزائي في عقده. و لم أجد من يضع هذه ضمن إهدار المال العام، أو الفساد الإداري.
لاعب في الزمالك يضرب زميله في المطعم أبان فترة الإعداد و يكمل التمارين و يشارك في المباريات و "عادي" جدآ، فهذه هي مبادئهم المعترف بها. و لم أرى من يناقش في الزمالك القضايا التي تم فتحها بين أعضاء الإدارة السابقة لزج بعضهم في السجون، فهذا هو الأسلوب الحديث في الإدارة.
و لم نرى من يتحدث عن فضيحة أن يدخل رئيس النادي الأسبق إلى السجن فالنادي معتاد على"العيش و الحلاوة"
و لم نسمع أصحاب القلوب البيضاء يفسر لنا لماذا كل لاعب يتم ترحيله من الأهلي بأسباب تأديبية يجد قلبآ حنونآ في ميت عقبة، فيبدو أن "الطيور على أشكالها تقع"
و لم أجد من يكتب فيهم على مداورة 4 مدربين للنادي في خلال موسم واحد، و فرارهم أو تركهم لمهامهم بعد خلافات و خناقات و خلافه!! و لم أراهم يحاولون تغيير أسلوب الجماهير التي تشاركت في الهتاف ضد "كابتن" الفريق و رمزه.
و لم أرى من يحاسب إدارته العظيمة على الفشل في جميع البطولات على مدار السنوات الماضية، و من يتحجج بتسيد الأهلي و إحتكاره للبطولات، فلا أعتقد أن الأهلي شارك في كأس العرب، فلقد تركها "سبوبة" للباقين، و مع هذا فلم يفز بها أي من الفرق المصرية. و غيرها من الفضائح الإدارية، و لكن جمهور الأهلي لا يلتفت أو يهتم لما يحدث في ميت عقبة، فطاقتنا و تركيزنا مع نادينا و دفعه للنجاح، و لو تفهم الإخوة الزمالكاوية لهذه القاعدة لما كان حالهم كحالهم الآن و إسألوا "مصطفى كريم".
و من التخاريف الكروية أن جمهور الهلال و الصحافة السودانية تظن أن أسلوب الشحن العرقي و العنصري هو أفضل شيء لجعل ملعب أم درمان أبعد ما يكون عن كرة القدم، و لا يهمني من يفوز و يخسر، ففي النهاية يبدو أن الصحافة تناست، أن الإخوة السودانيين لديهم أعمال مشتركة في مصر، و أننا نشرب من نيل واحد، و لكنها إتبعت أسلوب رخيص بجعل لاعبي الهلال ملائكة و لاعبي الأهلي شياطين و "بلطجية". و لم أرى أي من صحافة السودان تتحدث عن لاعب الهلال الذي تم إحتجازه في نيجيريا لقضية تحرش. و قد إستعملت الصحافة كلام هيثم مصطفى بأن الحضري إعتدى عليه باللفظ العرقي لتجييش الجماهير ضد عدوهم "الفرق المصرية" كمصدر ثقة بدون التأكد من صحته. و لا أعلم كيف لأفريقي أن يعاير أفريقي بلونه، و هل ربيع ياسين و حسام عاشور و فلافيو و جلبرتو هم قوقازيين و هيثم مصطفى أفريقي؟ و إذا كانت هذه هي الوسيلة المتبعة، فكيف تتعامل الصحافة مع فرق وسط و غرب أفريقيا، هل تدعي عليهم أن لاعب أسيك أو أنيمبا سب لاعب الهلال و نعته أنه "أبيض" ؟
و قد يتفهم المرء الآن كيف أن فريق الهلال يخسر من فرق ضعيفة كناسارو النيجيري بالثلاثة و يكسب في أرضه بالمثل، فواضح أن إعلامهم مستعد لبيع مبادئه و تاريخ بلاده و صفات شعبه الطيبة و الجميلة من أجل فوز رياضي. فلا هذه هي شيم الأبطال و لا الفرق الكبيرة، فلقد خسر الأهلي من الترجي، و شهدنا لهم بتفانيهم في الملعب و روعة جمهورهم، و صفقنا لروحهم الرياضية، و لم نقرأ صحيفة تونسية غيرت من الحقائق لجعل مباراة رياضية هي مواجهة بين شعبين يتشاركان العادات و التقاليد و الدين و اللغة.
فهذه النوعية من التخاريف هي كاللعب مع الأفاعي، نتيجتها لا تحمد عقباها، و لا يستطيع "سجموند فرويد" نفسه أن يتنبأ بتصرفات الجماهير المجيشة بهذا الأسلوب، و الدليل هو ما حدث بعد المباراة من محاصرة ملعب و التعدي على اللاعبين و خلافه. و تناست الصحافة الجاهلة أن الهلال قد يلعب في النهائي مع الأهلي، و في مصر. و لكن لتطمينهم، فالأهلي و جماهيره أكبر من هذه المهاترات، و سنتعامل مع الهلال كأي فريق شقيق، نحييه في الملعب و نكرمه بالأهداف و جمهوره سيدخل و يخرج كشقيق فهذه هي صفات الأبطال.
و ما يزيد هذه التخاريف هو ردة فعل المنافسين المحليين عليها، و فرحتهم لما حدث، متناسين أنهم خرجوا بخفي حنين على يد الهلال، و متناسين أن ما حدث للأهلي قد يحدث غدآ للزمالك و الإسماعيلي مع تغير الأسماء و بدلآ من أن يكون الحضري هو المتهم بالباطل يصبح عمرو زكي أو عبد الواحد أو سيد معوض أو هاني سعيد فلا أعتقد أن ما فعلته الصحافة السودانية هو أمر يمر مرور الكرام، بل يجب التفكير فيه و الرد عليه و التحذير منه في المستقبل لضمان سلامة جميع الفرق المصرية عند اللعب في أم درمان.
فيبدو أن "هم يبكي و هم يضحك"، و نشكر الأخوة الذين شاركوا في كل هذه التخاريف الكروية على إدخالهم الضحكة و البسمة في قلوب الأهلاوية.
و يجعله تخاريف