تمنعنى العِشرة الطويلة، والسنين العديدة التى مرَّت علىَّ كأهلاوى اعتاد دائماً وأبداً أن يضع بطيخة صيفى فى بطنه عندما يرى (عصام الحضرى) يحرس مرمى فريقه، من أن أقبل سب (الحضرى) أو أنتقده أو حتى أكرهه وأقول أنه خائن للعيش والملح؛ فالموضوع محير جداً، ولم يمض على الإعلان عنه تسع ساعات، إلا أن البلد مقلوبة بسببه، ولا أتفق مطلقاً مع مقولة شاعت إلى حدٍ ما حول المسألة وهى «الجنازة حارَّة والميت كلب».. الميت ليس كلباً، بل هو أفضل حارس مرمى فى تاريخ مصر، وسيظل كذلك حتى لو كانت استنتاجاتنا صحيحة وحتى لو كان اليوم هو ختام مشواره مع الأهلى، وللتوضيح ـ ليس إلا ـ أنا من جيل استطاع أن يلحق بأواخر (إكرامى) ـ أطال الله عمره ـ وتألق (ثابت) ـ رحمه الله ـ وروعة (شوبير) ـ أيام وراحت ـ، ولكن لـ(الحضرى) مكانة خاصة فى قلبى لأنه حارس المرمى الذى تحققت كل أمجاد الأهلى الحديثة أثناء حراسته لمرمانا، ومعها أيضاً أمجاد منتخب مصر فى البطولتين الأخيرتين للأمم الإفريقية.. ولذلك لا أعلم كيف نحكم على الرجل بهذه السرعة، والمعلومات الكاملة غير متوافرة بما يكفى، ربما يكون خائناً لأنه ترك الفريق فى عزّ الدورى وبغض النظر عن حسم البطولة من عدمه، وربما ظلمناه وظننا فيه الظنون بينما هو سافر إلى سويسرا للاستعلام عن الرصيد فى البنوك هناك، وربنا يزيد ويبارك!
ولكن بالتأكيد عند الرجل أسبابه ودوافعه، وأنا أتفهم جيداً ثورة الجماهير ـ وأنا أحدهم ـ ضد تصرف كابتن الأهلى ـ مع إيقاف التنفيذ ـ تلك الأسباب والدوافع التى لم نعرفها جيداً بعد، وربما لو عرفناها لتغير رأينا أو انخفضت حدة الغضب شيئاً ما أو حتى تعاطفنا معه ولو قليلاً، وأنا لا أريد أن أستبق الأحداث، وإنما أتسائل ما هو الأفضل لحارس مرمى حقق كل ما يحلم وما لا يحلم به أى حارس فى تاريخ مصر؟! بطولات يصعب إحصاءها محلياً وقارياً مع النادى والمنتخب، أموال لم يحصل عليها حارس مرمى آخر فى التاريخ (عن استحقاق وليس للحسد دور هنا)، شهرة واسعة وألقاب عديدة.. هل الرجل جُن؟! لا أعتقد؛ فـ(الحضرى) كما نعلم عنه غاية فى الذكاء وحسن التصرف، هل ضايقه أحد فى النادى؟ الصراحة لا أصدق هذا (على الأقل حالياً وإلى أن يثبت العكس) لسبب بسيط هو أنه الملك المتوج على حراسة مرمى مصر وليس الأهلى فقط؛ فـ(الحضرى) فى المرمى لا يقل مطلقاً عن (أبو تريكة) فى الملعب، ولا أريد أن أتجنى على الرجل لأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من الرحيل عن الأهلى سواء بالاستغناء أو بلى الذراع أو بالإيقاف أو بتوقيع عقوبة يستحقها ولكن بعد أن تتضح الأمور جيداً.. فقط أرغب فى معرفة السبب الذى يجعل رجل ناضج مثل (الحضرى) يستغنى عن كل هذا ببساطة، وفى أحد أيام تكريمه مع منتخب مصر الذى كان من أهم جنوده الفائزين بكأس الأمم الأخيرة، لو كان لاعباً ناشئاً صغير السن لكان الأمر عادياً، عيل صغير تم التغرير به، وفرشوا له الأرض ورد أو أى حاجة تانية، وانضحك عليه، لكن لاعب كبير وكابتن النادى وأحد كباتن منتخب مصر، لا أظن أن يكون بهذه السذاجة، هل موضوع شارة الكابتن هو السبب؟! أعلم أن أصابع الاتهام إياها ستشير إلى الأهلى و(جوزيه) و(البدرى) و(ناجى) وربما للعبد لله ـ بالمرَّة ـ قائلة أن هذا هو السبب لأنه شعر بالظلم والغبن والعدوان فترك الجمل بما حمل وساب البيت وهج.. يا سلام.. الرجل يتألق ويزداد مستواه تطوراً يوماً بعد يوم منذ موضوع شارة الكابتن، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع (جوزيه) على استمرار هذا العقاب لأكثر من ثلاثة أعوام، فمستحيل أن يكون هذا هو السبب الحقيقى.. ولو كان السبب هو الاحتراف، فسويسرا ليست غاية المراد من رب العباد، لاحظ أن منتخب سويسرا لو لعب ضد بتروجيت فسيخرج بهزيمة ثقيلة، وإذا كان العشم هو الخروج على أوروبا من البوابة السويسرية فالخروج من بوابة الأهلى بطل إفريقيا ومصر بطل إفريقيا أيضاً أفضل وأغلى، ولو كانت الأموال فالمبالغ التى سمعنا عنها أثناء العرض السويسرى لا يمكن أن يسيل لها لُعاب أفضل حارس مرمى إفريقى لهذه الدرجة، ولو كانت هناك أمور داخلية تحدث داخل النادى ولم تصل لعلمنا بعد فهذا ليس التصرف الأمثل ولا رد الفعل المناسب!
أعرف أن الساعات القادمة ستحمل الأسباب والنتائج والتحاليل والأشعة، وستحمل عشرات العناوين ومئات المقالات، وأكاد أصل إلى يقين ـ أرغب فى تكذيبه ـ أننى لن أرى (الحضرى) حارساً للأهلى مرَّة أخرى، و"حلنى" لما نشوف حارس فى كفاءته، وأعرف أنه لو كان الأمر على صورته الحالية وثبت أنه هو الغدار، فهو بالتأكيد لا يستحق أى حزن أو ندم عليه، بالعكس تماماً، لكن ومع شديد الأسف، فلم يتمنى ألد أعداء (الحضرى) وأكثر كارهيه أن يكون ختام مشواره مع الأهلى بهذه الطريقة.. وكما قلت فلن أستبق الأحداث، فربما يكون الموضوع شائعة أو حادث عارض أو تشابه أسماء.. أقول هذا حتى لا نُصدر حكماً مبكراً على الرجل الذى هتفنا باسمه طويلاً وكثيراً، وهتفت له كل جماهير مصر مئات المرَّات أن «ارقص يا (حضرى)».. الآن فقط ننتظر التوضيح، وعلى الرغم من كل شىء فشكراً يا (حضرى) أقولها وأتمنى ـ بجد ـ أن نكون جميعاً مخطئين، وأتعشم ألا ترقص يا (حضرى) الآن وإنما تثبت وتشير لنا إلى الحقيقة.. وحتى الآن وإلى أن تظهر كل الأمور بوضوح لا أعلم لماذا تسرى فى أذنى أغنية (الست): «أقول لروحى وأنا ذنبى إيه، يقول لى قلبى حلمك عليه، مسيره بكرة يعطف علينا، ونبقى نعرف هجرنا ليه».. فيتردد صدى الرد بنفس صوت (الست) قائلاً كلمات (إبراهيم ناجى): «وانتبهنا بعد ما زال الرحيق، وأفقنا ليت أنا لا نفيق....» إلى أن تصل إلى الخاتمة «.... وإذا الدنيا كما نعرفها، وإذا الأحبابُ كلٌ فى طريق»!
الخميس سبتمبر 25, 2008 9:28 pm